سنغافورة : كيف تحولت من أفقر البلدان إلى أقوى و أسرع الإقتصادات نمواً في العالم

سنغافورة : كيف تحولت من أفقر البلدان إلى أقوى و أسرع الإقتصادات نمواً في العالم

في مطلع الستينيات من القرن الماضي، كانت سنغافورة بلدًا يعج بالقذارة و العشوائيات و المستنقعات، بلدا أقل ما يمكن وصفه به هو بلد فقير جاهل و متخلف تسيطر عليه العصابات الاجرامية. سنغافورة اليوم هي واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. تمكنت البلاد من التغلب على مشاكلها الكثيرة حيث أصبحت من رواد التجارة العالمية.

لأكثر من 100 عام، كانت سنغافورة تحت السيطرة البريطانية. ولكن بعد  فشل الانجليز في حماية المستعمرة من اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، أثار ذلك شعورًا قويًا ضد الاستعمار والقومية أدى فيما بعد إلى استقلال سنغافورة.

في 31 أغسطس 1963، انفصلت سنغافورة عن بريطانيا ودمجت مع ماليزيا لتشكيل اتحاد ماليزيا. امتلأت السنتان اللتان قضتهما سنغافورة كجزء من ماليزيا بالصراع الاجتماعي، حيث ناضل الجانبان لاستيعاب بعضهما البعض عرقيًا. أصبحت أعمال الشغب والعنف في الشوارع شائعة للغاية. عدد الصينيين في سنغافورة يفوق عدد الملاويين من ثلاثة إلى واحد. يخشى القادة المالاويون  في كوالالمبور من الإيديولوجيات السياسية من قبل الصينيين في جميع أنحاء الجزيرة وشبه الجزيرة. لذلك، كوسيلة لضمان أغلبية مالاوية داخل ماليزيا و الحد من تأثير الشيوعية، صوت البرلمان الماليزي على طرد سنغافورة من ماليزيا.

حصلت سنغافورة على استقلال رسمي في 9 أغسطس 1965 ، حيث شغل يوسف بن إسحاق منصب رئيسها الأول لي كوان يو ذو النفوذ الكبير كرئيس للوزراء.

بعد الاستقلال، وجدت سنغافورة نفسها غارقة في مشاكل عظمى اهمها :

• انها دولة فقيرة ذات مساحة صغيرة لا تتجاوز 720 كيلومتر لا نفط فيها و لا ذهب و لا موارد اخرى.
• ان شعبها ذو اعراق متعددة : العرق الصيني و المالاوي و الهندي و الاورو اسيوي. لا يجمعهم لغة او قومية او تاريخ مشترك.
• كان معظم سكان المدينة البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة عاطلين عن العمل. فأكثر من ثلثي السكان كانوا يعيشون في الأحياء الفقيرة و مجمعات الصفيح العشوائية على هامش المدينة.
• تفتقر سنغافورة إلى الموارد الطبيعية والصرف الصحي والبنية التحتية المناسبة وإمدادات المياه الكافية.

بداية الكفاح

كان الحل الأمثل في نظر لي كوان يو هو توحيد الدولة و توجيهها لتحقيق هدف واحد. وضع الرئيس مع فريق عمل خطة شاملة للنهوض بالبلاد بدايتها كانت مع خلق شعور بالهوية الوطنية و العمل لاجل ازدهار الوطن بغض النظر عن العرقيات المختلفة.

فكان الشروع في تطبيق برنامج جذري يتمثل في :

1. توحيد اللغة و عدم تفضيل عرق عن غيره. ففرضوا اللغة الانجليزية و عدلوا سياسات التعليم عبر توسيع التكنولوجيا والتعليم في مجال الكمبيوتر.
2. إعادة هيكلة القوانين العامة التي يجب على الكل تطبيقها. فوضعوا عقوبات زجرية و دفع غرامات مالية لكل من خالف القوانين. فمثلا أي شخص يتم القبض عليه وهو يدير تجارة المخدرات أو الفساد المكثف سيواجه عقوبة الإعدام.
3. لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والبطالة في سنغافورة كان لابد من الشروع في تطبيق برنامج شامل للتصنيع لكن لسوء الحظ كان غالبية السكان يعملون في التجارة والخدمات. بالتالي، لم يكن لديهم خبرة أو مهارات الشيء الذي اجبر سنغافورة على البحث عن فرص خارج حدودها لقيادة تنميتها الصناعية. حيث تعين على لي و زملاؤه إقناع شركات متعددة الجنسيات بالتصنيع في سنغافورة. لكن من أجل جذب المستثمرين، كان على سنغافورة أن تخلق بيئة آمنة وخالية من الفساد ومنخفضة الضرائب. و ذلك من خلال سن قوانين صارمة مطبقة على الكل كما ذكرنا من قبل. حيث أصبحت البلاد اكثر استقرارا و امنا و هكذا اصبحت مكانا مكانًا مثاليًا للاستثمار.
4. بحلول عام 1972 ، أي بعد سبع سنوات فقط من الاستقلال، كانت ربع شركات الصناعة السنغافورية إما شركات مملوكة أجنبية أو مشتركة، وكانت كل من الولايات المتحدة واليابان مستثمرين رئيسيين. نتيجة لمناخ سنغافورة الثابت ، وظروف الاستثمار المواتية والتوسع السريع للاقتصاد العالمي من عام 1965 إلى عام 1972 ، شهد الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في البلاد نمواً سنويًا.
5. أعطى ليو الإسكان العام أولوية قصوى. حيث تمكن من حل مشكل المساكن العشوائية فأنشأ مدن جديدة وتم بيع شقق مجلس الإسكان والتنمية بتكلفة منخفضة. لتشجيع تمليك المنازل للسنغافوريين ، سُمح لهم باستخدام مدخرات صندوق الادخار المركزي الخاصة بهم لدفع ثمن هذه الشقق. بهذه الخطة استطاع 85 في المئة من سكان سنغفورة من امتلاك منازلهم.

بانتهاج هذه السياسات و مع تدفق أموال الاستثمار الأجنبي شهد الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في البلاد نمواً سنويًا سريعا. حيث ارتفع من 7 مليارات سنة 1960 الى 360 مليار دولار سنة 1960.

كما ارتفع دخل الفرد من 395 دولار سنة 1960 الى 80الف دولار سنة 2016

6. مع قرار الحكومة البريطانية المفاجئ عام 1967 بسحب قواتها المسلحة من سنغافورة بحلول نهاية عام 1971 ، شرعت سنغافورة في بناء قوات الدفاع الخاصة بها. أنشئ معهد تدريب القوات المسلحة السنغافورية في عام 1966 وتم تقديم الخدمة الوطنية الإلزامية في عام 1967. وتم إنشاء قيادة دفاع جوي سنغافوري وقيادة بحرية سنغافورة في عام 1969. في أغسطس 1967 ، انضمت سنغافورة إلى إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند ل تشكيل رابطة دول جنوب شرق آسيا.

 

منذ عام 1959 الي عام 1988 استطاع حزب العمل الشعبي Lee’s People Action Party الذي ينتمي له لي السطيرة علي جميع المقاعد البرلمانية بالانتخابات حيث تعرض الحزب لكم هائل من الانتقادات و التهم بالاستبداد طيلة مدة حكمه التي استمرت طيلة 30 عاما. الى حين تخليه عن رئاسة الوزراء طواعية عام 1990. حيث تمتع لي بسمعة طيبة لدى مواطني سنغافورة، بعدما تمكن من جعلها تجربة اقتصادية ناجحة، أوصلتها لمصاف الاقتصادات العظمى بالعالم.

بالاضافة الى حنكة لي و عزيمة شعبه اللتان مكنتا سنغافورة من الانتقال من مستنقع فقير و عاجز الى اهم المراكز المالية العالمية. اتفقت آراء الخبراء الاقتصاديين على أن نقطة قوة لي كوان تجسدت في حرصه على اعادة هيكلة القوانين لمحاربة الفساد الإداري، وفسح المجال للاستثمارات الخارجية، وتشجيع المهاجرين من النخب العلمية للاستقرار ببلاده التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز المليونين.

اهم المنجزات :

• تحتل سنغافورة المرتبة الثامنة في العالم من حيث الناتج المحلي الاجمالي للفرد.
• اكثر من 17 في المئة من سكان البلاد يملك اكثر من مليون دلار في الاصول.
• تحتل سنغافورة المركز الخامس بين اقل الدول فسادا في العالم.
• ميناء سنغافورة هو ثاني اكبر ميناء في العالم. يتصل ب 600 ميناء اخر في 123 دولة عبر العالم.
• اكثر من 90 في المئة من السنغافوريين يمتلكون هواتف ذكية.

 

إقرأ أيضا : هل تعلم أن كثرة الضحك حرفيا تميت القلب ؟